الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الفوائد: هذا تركيب شغل المعربين، وتضاربت فيه أقوال المفسرين، وقد أوردنا في باب الاعراب ما ارتأيناه وارتآه الزمخشري من قبل، وهو رأي الكوفيين. ولكن سيبويه والبصريين يرون أن مفعول يريد محذوف وتقديره يريد اللّه هذا، أي تحليل ما أحل وتحريم ما حرّم، وتشريع ما تقدم ذكره ليستقيم معنى التعليل. ولكننا نرى فيه تكلفا لا يتفق مع أسلوب القرآن السمح، وهناك قولان جديران بالتدوين:1- قول الفراء:أما الفرّاء فيرى أن اللام هنا هي لام كي التي تعاقب {أن} قال العرب تعاقب بين لام كي و«أن» فتأتي باللام التي على معنى «كي» في موضع «أن» في: أردت وأمرت فتقول: أردت أن تفعل وأردت لتفعل، ومنه قوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم} {وأمرت لأعدل بينكم} {وأمرنا لنسلم لرب العالمين} ومنه قوله:2- قول الزجاج:وقد حكى الزجاج هذا القول وقال: لو كانت اللام بمعنى «أن» دخلت عليها لام أخرى كما تقول: جئت كي تكرمني، ثم تقول: جئت لكي تكرمني، وأنشد: .[سورة النساء: الآيات 29- 30]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}.الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان بعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس، وقد تقدم إعراب النداء كثيرا، ولا ناهية وتأكلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وأموالكم مفعول به وبينكم ظرف متعلق بتأكلوا وبالباطل: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال والمراد بالباطل هنا ما لم تبحه الشريعة. {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} إلا أداة استثناء والمصدر المؤول في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، لأن التجارة ليست من جنس الأموال المأكولة بالباطل، ولأن الاستثناء وقع على الكون، والكون معنى لا مادة، وخص التجارة لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها. وتجارة خبر تكون واسمها مستتر تقديره:إلا أن تكون التجارة تجارة، وعن تراض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة، أي تجارة صادرة عن تراض، والتراضي معروف في كتب الفقه وعند الشافعي تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين. ومنكم جار والمعاملات فهو عند أبي حنيفة رضا المتبايعين وقت الإيجاب والقبول ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لتجارة {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} عطف على ما تقدم، ولا ناهية وتقتلوا مضارع مجزوم بها وأنفسكم مفعول به {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الجملة تعليل للمنع لا محل لها وإن واسمها، وجملة كان واسمها وخبرها خبر إن {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا} الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ ويفعل فعل الشرط وذلك اسم إشارة مفعول به، والإشارة لما تقدم من المنهيات، وقيل عن قتل الأنفس خاصة. وعدوانا وظلما مصدران في موضع نصب على الحال أو مفعول لأجله {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا} الفاء رابطة لجواب الشرط وسوف حرف استقبال ونصليه فعل مضارع والهاء مفعول به أول ونارا مفعول به ثان والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من الشرطية {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} الواو استئنافية وكان واسمها، ويسيرا خبرها وعلى اللّه متعلقان بيسير أو بمحذوف صفة له..[سورة النساء: الآيات 31- 32]: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}.الإعراب: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} كلام مستأنف مسوق للدعوة إلى اجتناب الكبائر والتزام الطاعات. وإن شرطية وتجتنبوا فعل الشرط والواو فاعل وكبائر مفعول به وما اسم موصول مضاف اليه وجملة تنهون عنه لا محل لها لأنها صلة وتنهون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وعنه جار ومجرور متعلقان بتنهون {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} نكفر جواب الشرط وعنكم جار ومجرور متعلقان بنكفر وسيئاتكم مفعول به {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} وندخلكم عطف على نكفر والكاف مفعول به ومدخلا اسم مكان أو مصدر ميمي فهو مفعول به ثان على السعة أو مفعول مطلق وقيل ظرف مكان وليس ببعيد، وكريما صفة {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} كلام مستأنف مسوق للنهي عن التمني لأن فيه تعلق البال بالدنيا ونسيان الآخرة، والواو استئنافية ولا ناهية وتتمنوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وما اسم موصول مفعول به وجملة فضل اللّه صلة وبه جار ومجرور متعلقان بفضل وبعضكم مفعول به وعلى بعض متعلقان بفضل أيضا. وفي هذا النهي دعوة إلى تجنب الحسد {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} الجملة لا محل لها لأنها مستأنفة، ويجوز أن تكون مفسرة لما ساق النهي لأجله، وللرجال جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ونصيب مبتدأ مؤخر ومما جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لنصيب وجملة اكتسبوا صلة {وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} عطف على الجملة السابقة {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} عطف على النهي. واسألوا فعل أمر مبني على حذف النون ولفظ الجلالة مفعول أول والثاني محذوف، ومن فضله متعلقان بمحذوف صفة للمفعول الثاني المحذوف، أي: شيئا من فضله {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} إن واسمها، وجملة كان واسمها وخبرها خبر إن، والجملة تعليلية لا محل لها وبكل جار ومجرور متعلقان بـ {عليما}..[سورة النساء: الآيات 33- 34]: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}.اللغة: (النشوز): أصل النشوز الارتفاع إلى الشرور، ونشوز المرأة: بغضها لزوجها وارتفاع نفسها عليه تكبّرا، ويقال: علوت نشزا من الأرض ونشزا بسكون الشين وفتحها. ونشز الشيء عن مكانه: ارتفع، ونشزت إليّ النفس: جاشت من الفزع، وامرأة ناشز. ومن غريب أمر النون والشين أنهما لا تقعان فاء وعينا للكلمة إلّا دلتا على هذا المعنى أو ما يقاربه: ارتفاع عن الشيء ومباينة لأصله وعدم انسجام مع حقيقته، ومنه نشأ الإنسان أي ارتفع وظهر، وأنشأناهنّ إنشاء، ومن أين نشأت؟ والجواري المنشآت: السفن الماخرة عباب البحر، ونشب العظم في الحلق علق وارتفع عليه، وتراموا بالنّشاب ونشبت الحرب، ونشج الباكي نشجا وهو ارتفاع البكاء وتردّده في الصدر، وأنشد الشعر إنشادا حسنا لأن المنشد يرفع صوته، إلى آخر ما اشتملت عليه هذه المادة وهذا من عجائب ما تميزت به لغتنا الشريفة..الإعراب: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الكلام مستأنف مسوق لتتمة أحكام الإرث وقد تكلم المعربون والمفسرون كثيرا عن هذه الآية، وأطالوا في القول وقلبوا الكلام على شتى وجوهه فلم يصل أحد منهم إلى طائل يشفي الغليل، فهي من الكلام المعجز، وأقرب ما رأيناه فيها هو ما يلي: الواو استئنافية ولكل جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم والتنوين في كل عوض عن كلمة، أي:لكل قوم. وجملة جعلنا صفة لقوم ومفعول جعلنا الأول محذوف أي جعلناهم وموالي مفعول به ثان ومما جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة للمبتدأ المؤخر المحذوف أي نصيب وجملة ترك صلة الموصول والوالدان فاعل والأقربون عطف عليه. والمعنى ولكل من هؤلاء الذين جعلناهم موالي نصيب من التراث المتروك. وهذا أجود الاوجه من جهة المعنى، ولكنه كما رأيت يحتاج إلى تقديرات كثيرة. ويليه في الجودة أن يكون {لكل} مفعولا مقدما لجعلنا وموالي مفعول به ثان والمضاف {لكل} هو المال أي: جعلنا لكل مال موالي، ومما ترك صفة، وفي هذا ما فيه. وسيأتي في باب الفوائد بعض ما قاله الأئمة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} الواو استئنافية والذين اسم موصول مبتدأ وجملة عقدت أيمانكم صلة والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وجملة آتوهم خبر الذين والهاء مفعول به أول ونصيبهم مفعول به ثان. ويجوز أن تكون الواو عاطفة والذين مرفوع عطف على الوالدان والأقربون، ويجوز أن يكون الذين منصوبا على الاشتغال أي مفعول به لفعل محذوف نحو: زيدا فاضربه، ومنهم من أعربه معطوفا على موالي، واختاره أبو البقاء. وهناك أقوال كثيرة ضربنا عنها صفحا. ومفعول عقدت محذوف أي عقدتهم والنسبة مجازية كما سيأتي في باب البلاغة {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} إن واسمها، وجملة كان خبر إن وعلى كل شيء متعلقان بـ {شهيدا} وشهيدا خبر كان الناقصة {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} كلام مستأنف مسوق لبيان سبب زيادة استحقاق الرجال الزيادة في الميراث مما يرجع اليه في المظانّ المعروفة، والرجال مبتدأ وقوامون خبره وعلى النساء جار ومجرور متعلقان بقوامون أي يقومون بتدبير شئونهم وتحصيل معايشهم ليتاح للأم أن تنصرف إلى شئون بيتها أو لتمارس الأعمال التي تنسجم مع طبيعتها، وكل امرئ ميسّر لما خلق له، كما جاء في الحديث. وبما فضل متعلقان بقوامون أيضا والباء سببية جارة وما مصدرية أو موصولية، والجملة بعدها لا محل لها على التقديرين. واللّه فاعل وبعضهم مفعول وعلى بعض متعلقان بفضل {وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} عطف على ما تقدم {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ} الفاء استئنافية بمثابة التفريع على ما تقدم، والصالحات مبتدأ وقانتات خبر أول وحافظات خبر ثان وللغيب متعلقان بحافظات {بِما حَفِظَ اللَّهُ} الجار والمجرور متعلقان بحافظات وما مصدرية أي بسبب حفظ اللّه لهن إذ عصمهنّ ووفقهنّ لحفظ غيبة الأزواج، ويجوز جعل ما موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي بالذي حفظه اللّه لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن والجملة بعد {ما} لا محل لها من الاعراب {وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الواو استئنافية واللاتي اسم موصول مبتدأ وجملة تخافون نشوزهن صلة ونشوزهن مفعول به {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وعظوهن فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة خبر الموصول واهجروهن عطف على عظوهن وفي المضاجع متعلقان باهجروهن واضربوهن عطف أيضا {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} الفاء استئنافية وإن شرطية وأطعنكم فعل ماض والنون فاعل والكاف مفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة لجواب الشرط ولا ناهية وتبغوا فعل مضارع مجزوم بلا وعليهن متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة لـ {سبيلا} وتقدم عليه وسبيلا مفعول به. ويحتمل أن تكون {تبغوا} من البغي أي الظلم، والمعنى: فلا تبغوا عليهن، فيتعلق {عليهن} بمحذوف حال، وانتصاب {سبيلا} على هذا هو على إسقاط الخافض {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} إن واسمها وجملة كان عليا كبيرا خبرها..البلاغة: 1- المجاز المرسل في قوله: {عقدت أيمانكم} سواء أريد بالإيمان اليد الجارحة أو القسم. والعلاقة هي السببية.2- الكناية في قوله: {في المضاجع} فقد كنى بذلك عن الجماع.وقد تقدم البحث مستوفى عن الكناية. وللعرب في الكناية عن الجماع تأثّما عن ذكره أساليب عديدة، كقوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} ومن الشعر قول امرئ القيس:فرياضة المرأة وإذلالها ورقة كلامها من البهر وفرط الشهوة كناية عن ذلك غاية في الجمال والتعفف. ومن طريف الكنايات المتعلقة بالمضاجع ما يروى عن عمرو بن العاص أنه زوّج ولده عبد اللّه، فمكثت المرأة عنده ثلاث ليال لم يدن منها وإنما كان ملتفتا إلى صلاته، فدخل عليها عمرو بعد ثلاث فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نعم البعل إلا أنه لم يفتش لنا كنفا ولم يقرب لنا مضجعا. من الكناية التي يعزّ نظيرها.نموذج بين الإحسان والاساءة:ومما أسيء استعماله من الكناية عن الجماع قول المتنبي: فقد أراد أن يكنّي عن النزاهة والعفة فوقع بما يعتبر شرا من الفجور، وهو قوله «عما في سراويلاتها». وقد أخذ الشريف الرضي هذا المعنى فأبرزه في أجمل صورة، وأعفّ لفظ وأشرفه حيث قال: والشريف وقع في الخطأ:على أن الشريف الرضي لم يسلم من الخطأ أيضا فقد نظم قصيدة يعزّي بها أبا سعد علي بن محمد بن أبي خلف عن وفاة أخيه وهو: وفي هذا من سوء الكناية مالا يخفى، فإن الوهم يسبق إلى ما يقبح ذكره. والواقع أن الشريف الرضي أراد أن يرمق سماء الفرزدق في أبيات ثلاثة قالها وقد ماتت جارية له وهي حبلى وهي: وهذا حسن في معناه بديع في صياغته، فجاء الشريف، على سموّ ذوقه ورهافة حسه، وسقط هذه السقطة في أخذ كنايته. .الفوائد: نرى من المفيد أن نورد وجوها، منها ما أورده أبو حيان في تفسيره البحر، ومن هذه الوجوه أن يكون {لكل} متعلقا بجعلنا، والضمير في {ترك} عائد على «كل» المضاف لإنسان، والتقدير: وجعل لكل إنسان إرثا مما ترك، فيتعلق {مما} بما في معنى {موالي} من معنى الفعل، أو بمضمر يفسره المعنى، والتقدير: يرثون مما ترك، وتكون الجملة قد تمت عند قوله: {مما ترك}، ويرتفع {الوالدان}، كأنه قيل: ومن الوارث؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون، والكلام جملتان. ومن تلك الوجوه أن يكون التقدير: وجعلنا لكل إنسان موالي، أي ورّاثا، ثم أضمر فعل أي: يرث الموالي مما ترك الوالدان، فيكون الفاعل لـ {ترك} {الوالدان} وكأنه لما أبهم في قوله: وجعلنا لكل إنسان موالي، بيد أن ذلك الإنسان الذي جعل له ورثة هو الوالدان والأقربون، فأولئك الوراث يرثون مما ترك والداهم وأقربوهم، ويكون الوالدان والأقربون موروثين، وعلى هذين الوجهين لا يكون في {جعلنا} مضمر محذوف، ويكون مفعول {جعلنا} لفظ {موالي}، والكلام جملتان. ولعل فك الطلاسم أسهل من هذه الوجوه المتداخلة، فالكلام معجز، والقواعد جاءت تابعة للغة. فهي مهما امتدت وتوسعت لا تعم ولا تشمل جميع تراكيبها.رأي وجيه للشوكاني:وبعد كتابة ما تقدم وقعت على رأي وجيه للشوكاني، فأحببت أن أختتم به البحث عن هذه الآية العجيبة، قال: أي جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه، {لكل} مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، أي ليتبع كل أحد ما قسم اللّه له من الميراث ولا يتمن ما فضل اللّه له غيره عليه.ولكنها مبتسرة ظاهرة التلفيق، كأنما ضاق ذرعا بعد ما حام حول الحمى، ولم يقع فيه، وكلام اللّه أوسع من أن تحدّه الحدود، أو تكتنه مطاويه الأذهان فتأمل.
|